recent
أخبار ساخنة

مصطفى كمال اتاتورك وإلغاء الخلافة،رأي عبد الحميد بن باديس.

Algeria The Best


   بعد القرار الرسمي بإلغاء الخلافة,والسياسة الجديدة التي اتبعها مصطفى كمال في تركيا تجاه الرموز الدينية,كتب عبد الحميد بن باديس مقالا تحت عنوان "الفاجعة الكبرى او جنايات الكماليين ومروقهم من الدين" عدد فيه ما ارتكبه الكماليون من جنايات وبرر موقفه السابق من مصطفى كمال اتاتورك عندما كان يشيد به قائدا وقاهرا لجيوش اوروبا.

مصطفى كمال اتاتورك وإلغاء الخلافة،رأي عبد الحميد بن باديس.

      يقول عبد الحميد بن باديس في مطلع مقاله((....
فلئن والينا الكماليين بالأمس ومدحناهم، فلأنهم يذبون عن حمى الخلافة وينتشلون أمة إسلامية عظيمة من مخالب الظالمين، وقد سمعناهم يقولون في دستورهم "إن دين الدولة الرسمي هو الإسلام"، ولئن تبرأنا منهم اليوم وعاديناهم فلأنهم تبرؤوا من الدين وخلعوا خليفة المسلمين،فكانوا ممن عمل بعمل أهل الجنة حتى لم يبق بينه وبينها إلا ذراع فعمل بعمل أهل النار فكان من الخاسرين...))[1],وأكدعبد الحميد بن باديس على علمه بالفكر الذي يروج له الكماليون ويتبعونه منهجا لسياستهم في البلاد,عندما اكد انه لا يجهل المبادئ التي نشأ عليها هؤلاء الفئة من الشباب المتأثرين بالثقافة الأوروبية,وأكد ان آثارهم المكتوبة في الصحف والمجلات تكشف بوضوح الفكر الذي يقودهم ويقول في هذا الشأن((...وقد حفظ التاريخ في متون الصحف وبطون المجلات خطب زعمائها بالتأفف من الدين والغمز في مبادئ الإسلام من خطب زعماء الاتحاديين إلى آخر خطبة رأيناها في جريدة الأهرام من خطب كمال...)) [2] ,كما يشير ابن باديس الى الدلائل والمؤشرات التي ظهرت بمجرد اعتلاء الكماليين لسدة الحكم والتي تبين نواياهم و رأيتهم لما يجب عليه تركيا المستقبلية,كقرار محو كلمات الشهادة من رايات الجيش وإباحة التبرج واختلاط النساء بالرجال في المراقص والملاهي,فقضى بذلك الكماليون على نظام العائلة الإسلامية,هذا اضافة الى فصل الدين عن الدولة تشبها ببابوية روما يقول بن باديس((...لا والله ما كانت تخفى علينا عقائدهم ولا مقاصدهم، وإنما كنا نغض الطرف عن شرورهم ومفاسدهم ساكتين عن ذكر مقابحهم إبقاء للوحدة الإسلامية التي اتجهت نحوهم، ولمـًّا شعث المسلمين حول سيرة خليفتهم وتأييد الأمة ... وما كنا نحسب أبدا أن يقدموا على إبطال الخلافة ويعلنوا بما هو كفر بواح...))

  ويبدي عبد الحميد بن باديس أسفه على كل ماحصل منهم من افعال واصفا قرارات الغاء الخلافة,ونفي آل عثمان,والغاء المحاكم الشرعية,والغاء المدارس الدينية بالجنايات المرتكبة ضد الإسلام,ثم فصل فيها وقسمها الى اربعة فكانت الجناية الأولى في حق الخلافة والتي يرى ابن باديس انها لطالما كانت عامل جمع للمسلمين ولو معنويا حتى بصورتها الكمالية الجديدة,إذ كان المسلمون يحتفلون بانتصارات الكماليين ويعلقون عليهم الآمال الكبيرة,كما ان البعض كان يراها اساسا لتحقيق نهضة شاملة تعيد مجد الأمة,وبإلغائها نهائيا الغيت تلك الرابطة المعنوية يقول ابن باديس((...كانت الخلافة نقطة اتصال لقلوب الملايين من المسلمين وعرقا حساسا منهم وعاملا قويا لتحريك عواطفهم...))[3].اما الجناية الثانية فكانت على  الخليفة العثماني الذي اختاره الكماليون وساندوه في البداية ثم انقلبوا عليه وشردوه ونفوه الى اوروبا,والجناية الثالثة على عائلة آل عثمان التي تعتبر عائلة عريقة في التاريخ الإسلامي,وقاد ابنائها الأمة الإسلامية لتحقيق امجاد وانتصارات خلدها التاريخ,فأعاب ابن باديس على الكماليين نكران منزلتها و الإنقلاب عليها بتلك الطريقة[4].

   ثم يأتي على الجناية الرابعة التي ارتكبها الكماليون وهي محاربتهم للدين بكل مالديهم من قوة وسلطان يقول((...لم يكتف القوم برفض الدين عن الدولة وتعطيل أحكامه بين الناس جملة، بل أخذوا في استئصاله من الأمة التركية التي لا نشك في سخط أكثريتها عليهم، وأغلقوا مدارس الديانة وطردوا طلاب العلوم الدينية وصاروا يعلنون بملء أفواههم أن الدين عائق لهم عن المدنية....))ويضيف ابن باديس واصفا هؤلاء بالطائفة التي تشبعت بإلحاد اوروبا[5].

   ثم يؤكد ان الإسلام لا يتعارض مع المدنية الا في اذهانهم,وأن مبادئه السامية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان,ولو عاد الكماليون إلى اهل العلم لبينوا لهم ما جهلوا من تعاليمه,ويحمل بن باديس الكماليين الجزء الكبير من المسؤولية حول الشبه التي تلقى على الإسلام يقول: ((...وهنا يجب أن أقول أن كل وصمة يرمى بها الإسلام إنما هي من إفراط مثل هذه الطائفة الملحدة ... الإسلام دين العلم والمدنية والرقي المادي والأدبي والتهذيبي النفسي والعقلي–بريء من كل عيب– وشهد له بذلك عقلاء الأجانب...).كما يؤكد بن باديس انه لا مبرر لما قام به الكماليون مهما بحثوا,وستبقى طريقتهم في التعامل مع الدين وعلماءه,بمثابة النقطة السوداء التي لن تمحى من التاريخ بأي حال من الأحوال ويختم بن باديس مقاله هذا برسالة للمسلمين مضمونها ضرورة الوقوف امام كل خليفة وراءه اياد اجنبية في كل قطر من الأقطار الإسلامية ,واعتبار ما وقع في تركيا,عامل قوة نستمد منه الوحدة والقوة,لأن الجامع الحقيقي للأمة هو الدين الإسلامي الذي وعد الله بإظهاره.[6]

   ثم اعقب عبد الحميد بن باديس مقاله حول مروق الكماليين بمقال اخر في العدد الموالي من مجلة النجاح  تحدث فيه عن صدى سياسة الكماليين  في مختلف الصحف المجلات والتي جاء اغلبها متفق مع رايه فيهم ,الا بن بن باديس  اكد انه يختلف مع من يقول منهم بأن الخلافة لازالت قائمة,ورد بأن الخلافة في الإسلام وضع شرعي لا يحق لأي احد التبديل فيه فهي تقوم على "حراسة الدين وسياسة الدنيا" ولا يمكن الغاء احد الشرطين,ثم اكد انه اذا قسنا وضعية عبد المجيد على هذه القاعدة فإننا نجزم ان الخلافة ماتت لأنه لايتمتع بأي سلطة فعلية[7].

  واشار عبد الحميد بن باديس الى قرار مجلس انقرة الذي جرد الخليفة من كل المسؤوليات وجعل سلطة الخلافة سلطة روحية فقط, زيادة على سلبهم للسلطة السياسية فقد سلبوا السلطة الدينية ايضا لأن حراسة الدين تقتضي تنفيذ الأحكام وتطبيق الحدود,ثم عاد ليؤكد ان الخلافة الروحية مصطلح لم يعرف الإسلام مثله من قبل فلا سلطة على الأرواح والقلوب الا لله رب العالمين بل هو مأخوذ عن بابوية روما فقال((...وكما ابتدع القوم هذا المعنى من الخلافة فإنهم ابتدعوا له إسما لا وجود للفظه فى كتب الاسلام ولا عقد علمائه ولا صحة لمعناه فى الدين اعنى "الخلافة الروحية"...))

ثم اضاف  عبد الحميد بن باديس ان "بدعة الكماليين" لا اصل لها في الدين, فالإسلام دين حقائق وليس دين تقاليد وأن المسلمين مطالبين بتقبل الوضع مهما كان مؤلما,وحكم ببطلان خلافة الكماليين,وعبر عن امله في الأمة العربية ومصر بصفة خاصة لقيادة العالم الإسلامي لإجاد مخرج من هذا الوضع وإعادة احياء الخلافة على المنهج الصحيح[8]



سامي بلخير.


[2] نفسه,ص20-21

[3] اثارالإمام عبدالحميد بن باديس,المرجع السابق,ص21

[4] نفسه,ص22

[5] آثار الإمام عبد الحميد  بن  باديس, ,ص22

[6] نفسه,ص23

[7]ثارالإمام عبدالحميد بن باديس,المرجع السابق ص25

google-playkhamsatmostaqltradent