المحتويات:
جمعیة العلماء المسلمين كانت في طلیعة التشكیلات السیاسیة والهیئات الثقافیة والاجتماعیة التي وجدت نفسها صبیحة الاثنین الفاتح من نوفمبر1954م وجها لوجه مع ذلك الوضع، وكانت افتتاحیة البصائر في 5نوفمبر1954م معبرة عن دهشة الجمعیة وعن الحالة النفسیة التي كان علیها أعضاؤها، یقول الورتلاني" إننا إلى حد هذه الساعة لا نملك التفاصیل المقنعة عن هذه الحوادث وأسبابها ولیس بین أیدینا إلا ما تتناقله الصحف وشركات الأخبار فلا نستطیع أن نعلق علیها ادني تعلیق إلى أن يتبین لنا طریق الصواب فلیس من شان البصائر أن تتسرع في مثل هده المواطن" ولهذا یرى البعض أن موقف الجمعیة من الثورة عند اندلاعها، لم یتحدد بصفة رسمیة وعلیه رغم دفاعها المستمیت عن مقومات الشعب الجزائري انقسم أنصارها إلى تیارین یرى الأول أن مفجري الثورة یفتقدون إلى الجدیة في مطلبهم ویدعو السلطات الفرنسیة إلى التعجیل بالإصلاحات الشاملة المبنیة على العدالة والمساواة واحترام مقومات الشعب الجزائري، أما التیار الثاني فأعلن عن مساندته للثورة داعیا الشعب الجزائري إلى تلبیة نداء جبهة التحریر الوطني ، ووجه هذا التیار بیانا بهذا الصدد وقعه حوالي ثلاثمائة معلم من معلمي الجمعیة وكان الشیخ العربي التبسي من ابرز المتحمسين للثورة،على أن التاریخ یسجل بأن جمعیة العلماء المسلمين قد سارعت كقیادة لمساندة الثورة مند الوهلة الأولى من انطلاقها، بل هناك من مسؤولیها من یجزم بأن مجموعة من أعضاء الجمعیة قد التحقوا مبكرا بصفوف جبهة التحریر الوطني ،وأن سنة 1954م لم تطلع إلا وهم یشرفون على مناصب حساسة في الثورة خاصة في المنطقة الثانیة بقسنطینة حیث مقر الجمعیة العملي .
ومن جملة الأعضاء البارزین نذكر السید:
إبراهیم مزهودي الذي حظر مؤتمر وادي الصومام ،والسید محمد المیلي، الذي جند
قلمه لخدمة المقاومة الجزائریة ،والشیخ احمد حماني ،والشیخ
الطاهر حراث، والشیخ بركاني عبد الرحمان، وغیرهم ممن سارعوا لتلبیة نداء
الفاتح من
نوفمبر 1954م وبذلك یمكننا الجزم بأن الجمعیة كانت في الطلیعة الثوریة
وأن رئیسها
الشیخ الإبراهیمي واصل رفقة أعضائها الدفاع عن مبادئها وحق الشعب في
التمتع
بشخصیته السیاسیة والحضاریة خارج البوتقة الاستعماریة الفرنسیة ، وقد وقف الشیخ
مع هذا المبدأ
سواء حین كان داخل الوطن أو خارجه، وعندما أعلن الشعب ثورته كان الشیخ أول من
احتضنها من الزعماء بالرغم من أنه كان في المشرق بعیدا عن الوطن، ولعل
البیان الذي أصدره الشیخ الإبراهیمي بمعیة الشیخ الورتلاني في الیوم الموالي
لاندلاع الثورة یؤكد ما نذهب إلیه من أن الجمعیة
قد تبنت الثورة مند الأیام الأولى من انطلاقها ، ومما جاء
فیه" ثمقر أنا الیوم في الجرائد بعض تفاصیل ما أجملته الإذاعات فخفقت القلوب
لذكرى
الجهاد الذي لو قسمت فرائضه لكان للجزائر منه حظان بالفرض والتعصب، واهتزت
النفوس
طربا لهذه البدایة التي سیكون لها ما بعدها ثم طرقنا الأسى لأن تكون تلك الشجاعة التي
هي روق الأمل لا یقودها سلاح أن اللحن الذي یشجي الجزائري هو قعقعة الحدید في معمة
الوغى ،وأن الرائحة التي تعطر مشامه هي رائحة هذه المادة التي یسمونها البارود،
وفیه أیضا
بیان جمعیة العلماء الذي وقعه الشیخ الإبراهیمي في القاهرة بتاریخ 8نوفمبر 1954م دعا فیه إلى الالتفاف حولالثورة وا
ذا نظرنا إلى مساهمة الجمعیة في الجهاد نجدها مادیة والتحامها مع جبهة التحریر
الوطني أمر
مؤكد فما الجبهة والجمعیة إلا وجهان لعملة واحدة، فالجمعیة التزمت بالتعلیم
وبث الوعي
ونسف الخرافات و ترسیخ العقیدة الصحیحة والجبهة التزمت بتنظیم الشباب
وتعویدهم
على مشاق الحیاة وتحمل المسؤولیات والصعاب وا ٕ نصاف للتاریخ نقول انه لولا أولئك
الفتیة الذین أمنوا بربهم ووطنهم، وكونوا أنفسهم في الخفاء واجتمعوا
تجاوبوا وقرروا الثورة لكانت الجزائر بدون جمعیة العلماء كالریشة في مهب
الریح سنة
1954م ، وینبغي أن نعرف مستقبلا كم من الذین فجروا ثورة التحریر كانوا
من خریجي
مدارس جمعیة العلماء المسلمين، وكم من هؤلاء وأولئك صدقوا وعاهدوا االله علیه.
كانت لثور ة الجزائریة إستراتجیة
إعلامیة منذ بدایة اندلاعها، وبوسائل إعلامیة متواضعة لاندلاع
رسالة الثورة إلى الشعب الجزائري بدایة ثم الشعب الفرنسي ثانیا،وا ٕ لى الرأي
العام الدولي
أخیراً،
حیث استغل ممثلو جبهة التحریري
الوطني وسائل الإعلام في كل البلدان الشقیقة
لإبراز الانطلاقة والتعریف بالثورة، فما إن حل مساء أول نوفمبر 1954م حتى كانت
إذاعة صوت العرب تعلن بقوة عن اندلاعها وتسمع العالم نشید الأحرار الجزائریین من
جبالنا طلع صوت الأحرار ینادینا للاستقلال، كما قام ممثل الجبهة بالقاهرة
بأول تعلیق له من إذاعة صوت العرب بعنوان- الثورة تنفجر في
الجزائر- مما جاء إن حركة المقاومة في
المغرب العربي قد دخلت الیوم مرحلة حاسمة وأن حركة الفرق الجزائریة المسلحة
قد التحقت لتدعیم الجبهة التي تكافح الامبریالیة الفرنسیة في جمیع
الشمال الإفریقي ولقد
كان الشیخ محمد البشر الإبراهیمي أول مؤید لها في القاهرة فأصدر مكتب جمعیة العلماء المسلمين الجزائريين
یوم 2نوفمبر 1954م بیانا وضح فیه الوجه البشع
للاستعمار الوحشي، والمجازر المرتكبة في حق
الجزائریین ومما جاء فیه أذاعت عدة محطات إعلامیة في اللیلة البارحة
أن لهیب
الثورة اندلع في عدة جهات من القطر الجزائري كما أكد بیان آخر في 3نوفمبر
1954م بعنوان "إلى الثائریین الأبطال من أبناء الجزائر الیوم
حیاة أو موت – بقاء أو فناء، ومما جاء فیه: حیاكم
االله أیها الثائرین الأبطال وبارك في جهادكم
وأمدكم بنصره وتوفیقه وكتب میتكم في الشهداء الأبرار وحیلكم في عباده
الأحرار...
لقد أثبتم بثورتكم المقدمة هذه عدة حقائق... اعلموا أن الجهاد للخلاص من هذا
الاستعباد
قد أصبح الیوم واجبا عاما مقدسا فرضه علیكم دینكم وفرضته قومیتكم، وفرضته
رجولتكم،
فرضه ظلم الاستعمار الغاشم الذي شملكم... لأنكم أماما أمرین حیاة أو موت إما
بقاء كریم
أو فناء شریفا"،وبهذا فإن جمعیة علماء المسلمین كانت تسعى بما في وسعها بأن
تحقق
شعارها على أرض الواقع ،فبعدما حررت العقول أرادت أن تحرر الجزائر من هذا
المستعمر
وازداد نشاطها أكثر بعد إعلانها الرسمي المؤید لثورة حیث دهمت الثورة
إعلامیا من
خلال الجرائد التي نصدرها كالمقاومة، والمجاهد، والبصائر، وغیرها إضافة إلى
النشریات
الأخرى الجهویة التي كانت تطلع الرأي العام الداخلي والخارجي عما ،كان یحدث
من أحداث
وا ٕ یصال أخبار الثورة إلى أبعد الحدود لالتفاف الشعب الجزائري حولها وتدویل
قضیة الجزائریة
وتحریك الرأي العام الدولي من أجل تحقیق الهدف آلا وهو التحرر وقد كان الإمام
البشیر الإبراهیمي یعتبر البصائر صوت الجزائر، لا صوت الجمعیة ولهذا
حرص أشد
الحرص على أن یكون هذا الصوت معبراً أصدق تعبیر عن حقیقة الجزائر المسلمة الدین
وعربیة الانتماء، الجاهدة من أجل استرجاع سیادة الوطنیة المسلوبة فوصلت
إلى
الشرقیین العربي والإسلامي وا ٕ لى الأمریكیتین الوسطى والجنوبیة كما لجأت سلطان الفرنسیة عند اندلاع
الثورة فاتح من نوفمبر إلى إلهام الرأي العام الجزائري والعالمي بأن ما
یذیعه مذیاع صوت العرب ودعوته للجزائریین لمحاربة فرنسا إنما هي حوادث أن الخارج
من أعداء فرنسا
وهذا ما ردت عنه جریدة البصائر فقالت، "هل
یكفى لمعالجة الحالة- الإدعاء بأن هذه الحوادث
الكبیرة إنما وقعت تحت تأثیر مذیاع القاهرة..."
وإن أردت أن تعرف سبب وقوع هذه
الحوادث الكبیرة ففتش عن تلك الأسباب بكل دقة... وبین
ما تنطوى علیه جوانح أهلها من آلام الحرمان والبؤس« ،ووضحنا أن حركة الثوار هي
من منبع سیاسي محض ذات صبغة تحرریة وهي لیست من أعمال قطاع طرق وهدفها
لیس الخبر
كما ادعتها سلطان الفرنسیة أنها ثورة جیاع وقطاع طرقا بل هي ثورة قام به
الشعب الجزائري
من أجل تحقیق مصیره واسترجاع سیادته الوطنیة المسلوبة. أن
جریدة البصائر والتي كتب عنها البشیر الإبراهیمي مقال بعنوان المطبع والمدفع"
وفیه دعا الأمة إلى مساندة البصائر مادیا
ومعنویا لها حیث قال» إن المطبعة تفوق في أثرها على الأمة وعلى
الاستعمار من المدفع«، كما ذكر أن البصائر واجبها تبلیغ الأمة بأحوالها
ومختلف
الدسائس التي تحاك ضدها.
ولقد اهتمت البصائر بالحوادث
واعتبرت نفسها قد قامت بواجبها، وأعلنت لقرائها بأنها تستمر
على ذلك بقولها
» إننا نشهد الأمة عامة أننا كنا من الموفین
بالعهود... أننا أعطینا الأمة
أكثر مما وعدناها، سیما وقد فوجئنا باشتعال نیران الحوادث الأخیرة التي
احتلت
المكانة الأولى من اهتمام« ، وا ٕ ن كانت صحافة الجمعیة وخاصة البصائر قد أخذت
على عاتقها
مهمة الدفاع عن حقوق الجزائریین وفضح سیاسة الاستعمار فإنها وجدت في
حوادث
الثورة ما ساعدها أكثر على أداء واجبها في الدعایة لصالح الجزائریین وثورتهم
وقالت: » وهذا القلم الذي شحذ في سبیل الوطن لن یسكت إلى
أن یسقط شهیداً في میدان الحق أو یخر
صریعاً في میدان التحریر«، فعن طریقها أصبحت للثورة دعایة صحفیة حیث
خصصت
البصائر عدة صفحات منها یومیات الأزمة الجزائریة وفیه یتم سرد أخبار الثورة
وقد بدأ مع
العدد 298لیوم 27دیسمبر
1954م والأخبار كانت تنقلها من الصحف والإذاعات
الفرنسیة والعالمیة وسرد للحوادث العسكریة والعملیات التحریریة مع تتبع النشاط
السیاسي
والدبلوماسي لممثلي الثوار وجبهة التحریر الوطني.
ومن خلال ما سبق نلاحظ أن جریدة البصائر كانت مناصرة لثورة إعلامیا وكانت بمثابة
مرآة التي تعكس المسیرة الجماعیة منذ اندلاع الثورة التحریریة للجزائر ،ومنها لسان
الثورة "
الشبه
الرسمي"، ولقد كان دورها خاصة في الجانب الفكري یرفع معنویات للجنود الجزائریین
وفي نفس الوقت زرع الخوف والشك بین صفوف الاستعمار، فتشید البصائر في
العدد 355بالثورة
فتقول) »:فالثورة الجزائریة التي لا تزال رغم الزوابع
والأمطار والثلوج تعم وتشتد قد ردت على
التحدي بمثله ورأیتها تقوم بأعمال في شرقي القطر وفي غربه وجنوبه شهد لها رجال الحریة
الفرنسیة بالمهارة والبراعة والر اسوخ في فن حرب الكمین« وفي الواقع
فإن
البصائر قد ساهمت بقسط وافر في دعم الثورة من أول عددها إلى آخره ،وتؤكد على
حق الشعب
في تقریر مصیره وهو الاستقلال.
وفي الأخیر یمكن القول أن جرائد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مثل جریدة البصائر وغیرها من الصحف والإذاعات الجهویة، وكذلك جریدة المقاومة التي تعتبر لسان حال للثورة الجزائریة وجریدة المجاهد كان لهم دور فعال في دعم الثورة إعلامیا وفي تأشیر الرأي العام الدولي في الاهتمام بالقضیة الجزائري.
01-
محمد یوسفي: الجزائر الثائرة في ظل المسیرة النضالیة
02- عثمان باهي : الفكر الاصلاحي و السیاسي ،اشغال الملتقى الوطني الثالث للفكر الاصلاحي في الجزائر،2006م
04-
الزبیري محمد العربي : الثورة في عامها الاول ، المؤسسة الوطنیة للكتاب ،الجزائر،
1986م، ص.186
05- امقران
عبد الحفیظ : مذكرات من مسیرة النضال و الجهاد ، دار الأمة، ط،1الجزائر، 1997م،ص.
34
06-بومالي أحسن: استراتجیة الثورة في الثورةفي مرحلتها الأولى 1956- 1954م، د.ط، منشورات متحف الوطني
08- الإبراهیمي
محمد البشر: جمع وتقدیم أبو قاسم سعد االله، آثار الإمام محمد البشر الإبراهیمي
1954ــــ دار الغرب الإسلامي، بیروت، 1997م،
09-الورتلاني فضیل: الجزائر الثائرة
10
- عبد الرحمان شیبان : حقائق واباطیل الجزائر، مطبعة ثالة، ط2،2009م، ص.85
11- عباس محمد الشریف : تاریخ الثورةالجزائریة 1962م ،المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنیة ل ثورة
اقرأ أيضا: