المحتويات:
لعل الأمير عبد القادر من اكثر الشخصيات اثارة للجدل ليس في تاريخ الجزائر فقط بل في العالم العربي والإسلامي وربما الساحة العالمية كلها نظرا للأحداث والمحطات المميزة في حياته وجمعه بين الشخصية العسكرية والأديب الشاعر ورجل الدين والفيلسوف ، في هذه الأسطر سنحاول بإختصار القاء الضوء على بعض هذه المحطات .
انتسب الأميرعبد القادر إلى قبيلة هاشم العربية الأصيلة، يعود أصله للأدارسة الذين كانوا ملوكاﹰ في المغرب الأقصى والأوسط والأندلس،وهو عبد القادر بن محيي الدين بن مصطفى بن محمد يرجع في نسبه إلى إدريس الأكبر بن عبد الله المحصن بن حسن المثنى بن حسن السبط بن علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة الزهراء بنت سيد الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان رابع إخوته، ولد يوم 6 سبتمبر1808م بمقر أسرته بالقيطنة الواقعة على الجانب الأيسر لوادي الحمام ،وعلى بعد حوالي 20 كلم عن مدينة معسكر شمال غرب الجزائر، يعتبر الأمير عبد القادر مجاهدا وفقيها وشاعرا وأديبا ورجل دولة جزائري، حفظ كتاب الله ولم يتجاوز الثانية عشر من عمره وتلقى مبادئ العلوم الإسلامية واللغوية على يد والده الشيخ محي الدين، كما برع في فنون الحرب اذ تدرب على الفروسية واستعمال السلاح.
2/مبايعة الأمير عبد القادر وجهاده ضد فرنسا:
لعل معاهدة الإستسلام التي وقعها الأمير عبد القادر مع فرنسا وانهى بموجبها مقاومته للإحتلال الفرنسي من اكثر القضايا جدلا عند التعرض لسيرته،فهي تعتبر اول ما يتكلم عنه كل من يطعن في مسيرة هذا البطل ذو الشخصية الفذة، بعد هزيمة الأمير ضد المستعمر سنة 1943 م وسقوط عاصمته المتنقلة "الزمالة" لجأ الى سلطان المغرب ليقنعه بضرورة محاربة فرنسا وهو ماحصل فقط خاضا معا معركة ""ايلسلي" سنة 1844 م ضد الجيش الفرنسي غير ان سلطان المغرب مولاي عبد الرحمن اضطر الى توقيع اتفاقية مع فرنسا بعد هزيمة جيشه وتم ذلك في جويلية 1844م ،وكان من ضمن بنودها منع الأمير عبد القادر من دخول الجزائر فبقي هناك الى غاية سنة 1946م عندما حاول الدخول الى الجزائر فتم حصاره من طرف الجيش الفرنسي وسلطان المغرب الذي هددته فرنسا بالإتفاقية الموقعة بينهما، فاضطر الأمير الى الإستسلام سنة 1847 بعد معارك دامت سنين طويلة ضد المستعمر.
ما يجب
الإشارة اليه هو ان الأمير عبد القادر وجد نفسه وحيدا محاصرا من كل اتجاه خاصة بعدما استسلم كل من بومعزة أحد
أقوى قيادات المقاومة في تيارت وأحمد بن سليمان بنواحي سور الغزلان، واتفاق سلطان
المغرب مولاي عبد الرحمن مع فرنسا،ماجعل الأمير يقرر الإستسلام بعد استشارة أصحابه
،وقد تم ذلك فعلا يوم 23 ديسمبر 1847 فقال لفرنسا «اعلمي أنك لن تنعمي بالأمن،
وستجدين في كل شبر من القطر الجزائري من يرفع راية المقاومة حتى ترحلي من هذه
الديار»، وكان الإتفاق هو ان
ينقل الأمير عبد القادر رفقة أسرته إلى مدينة عكة أو إلى الإسكندرية، والسماح
لجنوده وضباطه بمرافقته، وأن ينعم بالسلام كل من يبقى في الجزائر، إلا أن السلطات
الفرنسية أخلفت وعودها، وزجت به في السجن بقصر «أمبواز» بفرنسا حيث بقي أسيرا مدة
خمس سنوات إلى أن قرّر «نابليون الثالث» إطلاق سراحه سنة 1852 ومن هنا توجه الأمير
إلى مدينة «الأستانة» وهي اسطنبول عاصمة العثمانيين فاستقبل من طرف السلطان العثماني،
حيث بقي هناك بعض الوقت ثم توجه بعد ذلك إلى مدينة «دمشق» بسوريا فقضى فيها بقية عمره
إلى أن توفي في 26 ماي 1883.
وبالنسبة الى علاقته مع الدولة العثمانية
فإن الشواهد تثبت ان الأمير عبد القادر كان يحترم الدولة العثمانية ، فهي كانت
تمثل دولة الخلافة الإسلامية، والأمير لم يجعل دولته تابعة إدارياً لدولة الخلافة
ولكنه كان تابعاً لها روحياً،وكان أثناء حكمه يخاطب السلطان العثماني بكلمة «مولاي
خادم حضرتكم ومقبل تراب أعتابكم» ،وكان يكن الاحترام والتقدير لسلاطينها ولا ادل
على ذلك من اشعاره فقد كتب قصيدة جميلة عند وصوله الأستانة سنة 1953 يمدح فيها
السلطان عبد المجيد ومما جاء فيها:
أبشر بقرب أمير المؤمنين ومن قد أكمل الله فيه الدين إكمالا
عبد المجيد حوى مجداً وعزّ عُلاً وجل قدراً كما قد عم أنوالا
هذا مقام التهاني قد حللت به فارتع ولا تخش بعد اليوم أنكالا
يا رب فاشدد على الأعداء وطأته واحم حماه وزده منك إجلالا
لم يكن الأمير عبد القادر فقط قائدا عسكريا بل كان مفكرا و شاعرا وعالم دين وفيلسوف هذه المقومات جعلت منه شخصية عالمية بكل المقاييس فقد حظي بالإحترام والتقدير في الشرق والغرب والحقيقة هي ان سبب هذه المكانة يعود الى الأثر الطيب الذي تركه في النفوس بفضل شخصيته وعلمه اينما حل وارتحل فقد كان الأمير عبد القادر ذو ثقافة واسعة في مختلف العلوم وفروع الآداب ، درس من كتب العلم والفلسفة رسائل "إخوان الصفاء" وفيتاغورس وأرسطاطاليس، وتعمق في دراسة الفقه والحديث والجغرفيا والتاريخ والفلك وفنون اللغة والبلاغة والأصول وعلم الكلام وغيرها، وكان على جانب عظيم من سعة الإدراك والمعرفة، وهذا ما جعله يجيب بنفسه عن القضايا التي ترد إليه من كبار علماء الإسلام ومفكري الغرب، ولم تصرفه مشاكل الجهاد والحرب عن الانتفاع ونفع الغير وتدريسهم وبذلك نجد له عدة مؤلفات متنوعة منها في الشعر ومنها في النثر تحدث فيها عن شتى الأغراض ومختلف المسائل والمشاكل، وقد كانت له عديد المراسلات مع ملوك اوروبا و مفكري الشرق والغرب سواء في سنين مقاومته في الجزائر او في منفاه بالشام.
وما رفع مكانة الأميرعبد القادر لدى الغرب ايضا هو مساهمته في اخماد الفتنة التي حدثت في دمشق سنة 1860،هذه الفتنة التي جاءت نتيجة لغضب اهل دمشق جراء الديون المتراكمة على البعثات الأوروبية كما يقول بعض المؤرخين، ادت الى اعتداءات على السكان المسيحيين وصلت الى حد الجرائم،لكن الأمير عبد القادر بحنكته واستشرافه استطاع ان يحتوي الوضع وينقذ مايزيد عن 5الاف الى 15 الف مسيحي بفضل قدرته على الٌإقناع ومكانته لدى اهل الشام، ويذكر شاهد عيان على المذبحة دور الأمير عبد القادر فيقول: "ولولا رجال الفضل و أهل الصلاح كالأمير الخطير الذي شاع صيته في الآفاق.....،الذي كان يطوف المدينة ليلاﹰ نهاراﹰ برجاله المغاربة الشجعان ويناديهم :يا أمة الإسلام إن ذلك لا يجوز في شرع دينيا... لحدث ماهو اسوء"
هذه الحادثة التاريخية وقدرة الأمير عبد القادر على الحوار، وتقبله لكافة الإتجاهات الفكرية بما فيها تلك المسيحية اذ تعمق اثناء وجوده في فرنسا في الحوار مع المفكرين والفلاسفة ورجال الدين،
هذه العوامل كلها اكسبته احترام الغرب حتى انه توجد مدينة امريكية في ولاية (ايوا) اسمها Kader city نسبة الى الأمير عبد القادر، وكان تزامن وجوده في دمشق مع نشاط المحافل الماسونية في المشرق وتواصله مع الغرب فكريا عاملا جعل الكثير من خصوم الرجل يلصقون فكرة الماسونية به زورا ومن غيرشواهد.
تجدر الإشارة اخيرا الى ان الشخصية الملهمة للأمير عبد القادر جعلت له مكانة في الأدب العالمي فقد تناولت حياته عدة روايات منها رواية "ثائر من الجزائر" للكاتب عبد القادر قسمية ورواية "عبد القادر" للكاتب الفرنسي لوييك باريير، اضافة الى رواية "ليلة الأمير الأخيرة" للروائي عبد القادر الجماعي و "كتاب الأمير" لواسيني الأعرج.
بقلم: سامي بلخير.
مراجع:
1- علي الصلابي، كفاح الشعب الجزائري.
2- بديعة الحسني، الأمير عبد القادرالجزائري.
3- عبد القاد بوعزيز يحيى، "الطريقة القادرية والأمير عبد القادر"
4- ر. بو طالب، الأمير عبد القادر وبناء الأمة.
5- محمد السيد الوزير، "الأميرعبد القادر الجزائري، ثقافته وأثرها في أدبه"
6- نصر الدين السعيد وفي، "عصر الأمير عبد القادر الجزائري