recent
أخبار ساخنة

نقد مفهوم " الإنسية " الغربية والنهضة الأوروبية

Algeria The Best


يزعم البعض أن الغرب عامة و أوروبا خاصة قطعت أشواطا هائلة في التقدم الشامل و يبرر ذلك عبر مجموعة من المفاهيم أوالقضايا من قبيل الحرية و الحق والأنا و الغير و التي اكتملت شكلا و مضمونا في إيفاء حقها الموضوعي و المعرفي و هي نتاج لشروط تاريخية ضمنت عقلنة سائلة و مانعة لا يدخلها الباطل من أية جهة. إن هذا التصور الزاهي حول بنية الفكر و الأفق الفلسفي للغرب يعد  انبهار أكثر منه قراءة موضوعية حقيقية للحركة التاريخية التي عرفتها الإنسانية منذ عصر النهضة الأوربية و جميع الويلات التي عانتها مختلف الشعوب التي احتكت معها في الشرق و الغرب

أعتقد أن مفهوم الإنسية بما هو الرقي في التحضر البشري لم يكن ليتحقق البتة ضمن التاريخ الطويل للدول الغربية ، مهما أنها تحايلت مند النهضة على سرقة معظم الإرث الحضاري الإسلامي و صاغته عبر مسلسلات الترجمة التي مرت عبر الرداءة في النقل لقرون طويلة و لكنها برعت في الانتحال و نسب معظم" المكتشفات "العلمية و الفلسفية و النظرية إلى كونها إنتاج و إبداع يخصها بإطلاق و هذا يعد من الخيانات و المغالطات التي تؤطر المناهج الدراسية الغربية و ذلك بالربط بين مرحلتين اليونانية و النهضة و الأنوار مع إسقاط الجسور التي شيدتها الحضارة الإسلامية بين المرحلتين، و هنا تكمن المفارقة العظمى و التي ما تزال قيد الأيديولوجيا الرائجة في الفكر الغربي عموما.

تأتي الإنسية الغربية ضمن سياق تاريخي تحركه المصالح المادية و التي لا تنفصل البتة عن الاستغلال لدول العالم الثالث عبر الاستعمار المباشر وكل أشكال الإبادات الجماعية التي قادها الرجل الأبيض لقرون طويلة، و لم  تنفك الإنسانية بعد من الغطرسة الغربية في التقتيل و التشريد و التهجير و دعم كل أشكال عدم الاستقرار، و هو العلامة الفارقة التي تجعل الأنظمة الغربية دون استثناء تولي اهتمامها لإصلاح الشأن الداخلي و تحسين الأوضاع الاجتماعية - التي تخص مجتمعاتها فقط - إلى هذا الحد أو ذاك حتى لا تنبثق ثورات اجتماعية جديدة على غرار الثورة الفرنسية أو ثورة سنة 1968 .

إن الإنسانية و الرقي الحضاري لا ينفصل في تعميم الخير و الذي لا يكون إلا إذا راعت القِوَى الغربية تصدير" الديمقراطية "بوصفها أنموذج بديل عن كل أشكال الدول التقليدية أو الدول المتخلفة. لم يكن هذا الأمر هو الخِيار الإستراتيجي للغرب بقدر ما أن فرض نظام عالمي لاستعباد الشعوب و الاستئثار بالمقومات المادية لهذه الشعوب؛ يمثل غاياتها السامية التي لا تنفصل عن عرقلة مستميتة لظهور أي نظام ديمقراطي أو نظاما إسلامي أو حتى نظام هجين يحاول الخروج من التخلف، و لعل الفضيحة التي قدمها دجون بوركنز John Perkins حول القاتل الاقتصادي و الاعتراف الصارخ الفاقع الذي يختصر دور و وظيفة دول الغرب بكونه هو إدارة الأزمات على حد تعبير كيسنجر، و هذا بالضبط يمثل الحقيقة الساطعة و البرهان الدامغ على انتقاء بناء إنسية حقيقية في الغرب حتى يومنا هذا.

إن الفلسفة الغربية و القيادات السياسية التي تمخضت عنها بالتوازي و عبر قرون طويلة لم تفتح بابا حقيقيا للتثاقف الحقيقي و إن عدم الصدور عن مبدأ الاعتراف بالغير / الآخر مما جعل أوروبا تقصي باقي البشر أو العالمين من معادلة الوجود؛ فهي ما تزال مستغرقة في مونولوج ذاتي نرجسي و لن يبدأ الحوار الحقيقي إلا بعد أفولها من ميزان القِوَى و خروجها عن الركب الحضاري المادي أما الرقي الأخلاقي فهي لا تمثله البتة و لا ترع نصرته لأنه لا يعنيها في هذا الوجود.

إن وهم الإنسية الغربية لا يعدو أن يكون مجرد إسهامات مؤسسة عبر التوطين للثقافة الوافدة التي تنهض بها جملة من المنابر الثقافية الهجينة، و هذا يجعل الدارس المتفحص للحراك التاريخي و تناقضاته و سنة التدافع بين أهل الحق و أهل الباطل أمر يستدعي الكشف عن الآليات التي تحجب الحقائق و تكشف عن نوايا الفاعلين الاجتماعيين و السياسيين و مبلغهم من العلم أو الوهم.

 

مقال لـ: سليمان شاهي الدين

google-playkhamsatmostaqltradent