recent
أخبار ساخنة

النفس البشرية وإرادة العيش فلسفة شوبنهاور

Algeria The Best

 

 آرثر شوبنهاور هو فيلسوف الماني عاش في القرن التاسع عشر، حل في ذاكرتنا لبصيرته التي ظهرت في كتابه " العالم إرادة وتمثلًا" ،يعد شوبنهاور أول فيلسوف غربي اهتم في البوذية وتقرأ أفكاره بإعتبارها تفسير و تجاوب غربي للتنوير التشاؤمي الذي ورد في الفكر البوذي.
النفس البشرية وإرادة العيش فلسفة شوبنهاور

كتب في سيرته الذاتية: "في عامي السابع عشر استولت علي مآسي الحياة كما استولت من قبلي على بوذا في شبابه، حين أرى المرض والشيخوخة والألم والموت المنتشر في كل مكان يترسخ لدي اعتقادا يتمثل في انه لايمكن أن يكون العالم قد خُلق من قبل خالق محب، بل من قبل الشيطان الذي أوجد المخلوقات ليبتهج من معاناتهم.
   أراد شوبنهاور كما بوذا، أن يحلل هذه المعاناة وأن يصل إلى حل، أخطأت الجامعات في تدريس أفكار شوبنهاور بطريقة أكاديمية تقليدية جافة ،إذ عرقلت امكانية انتشار  أفكاره ومنه إتباعه بالرغم من أنه لا يقل عن بوذا.
تبدأ فلسفة شوبنهاور بتحديد القوى المتجذرة  داخل النفس البشرية ،والتي وصفها بأنها الأقوى تأثيرًا من السببية والمنطق والحس الأخلاقي وهي كما اسماها شوبنهاور ( إرادة العيش) او الرغبة في الحياة، إرادة العيش هي قوة ملحة تجعلنا ندفع أنفسنا إلى الأمام، متشبثين بالوجود متطلعين لمنافعنا ،قوة عمياء غبية شديدة الإلحاح.
 ما تجعلنا إرادة العيش نركز عليه غالبًا هو الجنس ،منذ الرشد فصاعدًا تراودنا باستمرار سيناريوهات جنسية، تجعلنا نصل لحالات غريبة كالوقوع في الحب، احترم شوبنهاور الحب كما يمكن أن يكون اتجاه إعصار أو نمر امتعض بشدة من ضلال الناس فيما يتعلق بالإعجاب ،لم يستطع تصور أن يتم الحب مصادفة  فهو يرى أن الحب مرتبط بأهم مشاريع "إرادة العيش" وهي الإنجاب "لم كل هذه الضجة حول الحب؟" يسأل شوبنهاور ،لماذا كل هذا الإلحاح والجلبة والكرب والمجهود ؟ ثم يجيب ، بسبب أن الهدف النهائي لكل علاقة حب أهم من كل الأهداف الأخرى في حياة أي شخص لذا فالحب يستحق هذه المثابرة في السعي خلفه.
  كتب شوبنهاور: "الهيمنة الرومانسية ليست إلا لإنجاب الجيل التالي، مما يعني أنه حان الوقت ليوجد نسل جديد ببنية جسدية لائقة" نحن نادرًا مانفكر في انجاب الأطفال مباشرة عندما ندخل علاقة عاطفية  لكن من منظور شوبنهاور ذلك ببساطة لأن العقل يبقى محجوب عن سبب إقدامه الحقيقي على هذه العلاقة، لماذا هذا الخداع الذاتي ضروري ؟ لأننا -بحسب شوبنهاور- لن نسعى للتكاثر بدون أن نفقد -ليس حرفيًا- عقولنا ، شوبنهاور عارض بشدة الضجر والروتين والإنفاق المادي و التضحية المشتركة لإنجاب الأبناء،كما طرح شوبنهاور فكرة أنه لو عملت عقولنا بالشكل الصحيح في مسألة إختياراتنا فيمن نقع في حبه فسنختار أشخاص مختلفين للغاية عمن إنتهى بنا المطاف معهم واقعا، لكننا في النهاية مسيرين لحب ليس من نأنسه ونندمج معه فقط، بل مع أشخاص تختارهم لنا "إرادة العيش فينا" بحيث يكونون شركاء مثاليين لمشروع إنجاب ابناء يحفظون توازن المجتمع.
حسب شوبنهاور جميعنا كبشر غير متوازنين ، منا من هو القوي جدًا، أو الأنثوي جدًا، أو الطويل، القصير، العقلاني، التلقائي فإذا أختل هذا التوازن واستمر في الرجوح ليتفاقم في كفة واحدة، سيصبح الجيل التالي على المدى القصير شاذا وغريبا.
"إرادة العيش" تدفعنا نحو الناس الذين يعوضون عيوبنا ويوازنون ميزاننا فمثلا إتحاد أنف كبير مع أنف صغير ينتج أنف مثالي، كما يقع قصيروا القامة في الحب مع طويلوا القامة، والرجال االضعفاء مع النساء القويات ، نظرية شوبنهاور في الإنجذاب التوازني هذه أدت للأسف إلى استنتاج كئيب،أي أن الشخص الذي نعتقد انه مناسب للغاية لننجب معه طفلا متزنا، قد يكون غير مناسب لنا إطلاقا ولا ندرك ذلك حينها لأن "إرادة العيش" أعمتنا.
   كتب شوبنهاور: لايجب أن نتفاجأ من أن يتزوج فردين لم يكونا صديقين يومًا - فبعيدًا عن الجنس- نحن كثيرا ما نكن الحب لناس يكنون لنا الكراهية والإزدراء والإشمئزاز لتحل دائما "إرادة العيش"  فتعمينا عن ما قد تكون فيه سعادتنا، يتجلى ذلك في اللحظة التي تتبع وصولنا للذروة الجنسية  وتحديدا في ذلك الشعور المرعب بالوحدة ، كما كتب قائلا : "تُسمع ضحكات الشيطان بعد كل مضاجعة"
  شعر شوبنهاور بالأسف من رؤية مشهد البشرية، فنحن نختلف عن الحيوانات في وعينا الذاتي فقط الذي تسبب في تعاستنا توجد نقاط ناقشها شوبنهاور في الإختلاف بين حيوات الحيوانات، لكنه أسهب في حيوان الخلد، الذي وصفه بالمعاق الممسوخ الذي يسكن في زوايا الممرات الرطبة ونادرًا مايرى ضوء الشمس، ونسله يشبه الديدان الهلامية لكنه يبذل كل مابوسعه في سبيل البقاء والخلود
نحن كما حيوان الخلد مثيرين للشفقة، ومسيرين بدفع انفسنا إلى الأمام ،نريد أن نحظى بوظيفة جيدة لنثير إعجاب شريك حياتنا المحتمل ،نبحث عن الشخص المناسب ثم ينتهي بنا المطاف مع شخص جيد فقط لإنجاب طفل،ثم نمضي أربعين سنة بائسة معه لنكفر عن أخطائنا.
     كان شوبنهاور هزليا و متشائما بشكل جميل دائمًا فيما يخص الطبيعة البشرية  فقد كتب: " ثمة خطأ متأصل وحيد، ألا وهو مفهوم أننا وجدنا لكي نكون سعداء، وطالما نواصل في تبنينا لهذا المفهوم سيبدو لنا العالم مليئًا بالتناقضات ،في كل خطوة نخطوها، وفي كل كبيرة وصغيرة، محتوم علينا أن نقاسي حقيقة أن الحياة والعالم ليسا منظمين لغاية إسعادنا ،لهذا تبدو أوجه المسنين محفوره بخيبة الأمل الكبيرة"
     اقترح شوبنهاور حلين للمشاكل الوجودية ،الحل الأول خاص بفئة نادرة من الناس وهم "الزاهدين" الزاهد قادر بشكل بطولي أن يسمو فوق مطالب "إرادة العيش" فهو يستشعر دوافعه الطبيعية في داخله اتجاه الأنانية والجنس والغطرسة فيتحكم بها ويتغلب على رغباته ويعيش لوحده بعيدًا عن المدن ولايتزوج، ويكبح شهوته للشهرة والمنصب ، يشير شوبنهاور أنه يعُرف في البوذية بإسم الراهب، ويدرك أن قليلا من الناس من كل جيل سيتخذون هذا النهج في حياتهم.
    العلاج الثاني واقعي وأكثر سهولة، هو أن نكرس أوقاتنا مع الفن والفلسفة الذين تتمثل مهمتهم في أن يكونوا مرآة تعكس المجهود الجنوني والاضطراب والتعاسة التي صنعتها "إرادة العيش" داخلنا فتصبح واضحة لنا، قد لانستطيع كبح رغبتنا إلى الحياة لكن في أمسيات المسارح، أو المشي مع قراءة كتاب شعر، نحن نخطوا إلى خلف الأيام الإعتيادية ونرى الحياة بلا وهم .
والفن المفضل لدى شوبنهاور هو النقيض من العاطفي، كالتراجيديا الإغريقية، والأمثال ، والنظريات السياسية لميكيافيلي والأعمال المشابهة التي تتناول الذات والمعاناة والأنانية، وأهوال الحياة الزوجية،وتمتد للتعاطف الماليخولي المأساوي  للبشرية وهذا يتناسب مع أعمال شوبنهاور، وقد وصف غاية الفلسفة والفن أنها عزاء البشرية.
 يقول شوبنهاور عن الزواج: "إن زواج شخصين  يعني ببساطة أنهما إراديا يقومان بكل ما يمكنهما ليصبح كل طرف منهما موضع إشمئزاز الآخر" ،كل قصة في الحياة حسب شوبنهاور هي تاريخ معاناة فلا قيمة حقيقية للحياة، هي فقط مستمرة بفعل الشهوة والوهم.
النفس البشرية وإرادة العيش فلسفة شوبنهاور

   بعد أن أمضى جل حياته  في محاولات فاشلة لأن يصبح مشهورًا ومحاولات فاشلة في العلاقات، نجح شوبنهاور في نهاية حياته في إيجاد جمهور عاشق لكتاباته، عاش في شقة في فرانكفورت مع كلبه الأبيض من فصيلة بودل الذي أسماه (أتما) ويعني "روح العالم " في البوذية، بين أطفال يسخرون منه ويطلقون على كلبه "زوجة شوبنهاور"، بعد وفاته بفترة قصيرة نُحت له التمثال المشهور في فرانكفورت ، مات في 1960 عن عمر يناهز 72 عاما بهدوء وسكينة .
 
مقال theschooloflife.com ترجمة  MiloudBelk- بتصرف-
google-playkhamsatmostaqltradent